الصحوة – أحمد بن إبراهيم النقبي
يطل علينا نوفمبر هذا العام مختلفاً عن كل الأعوام السابقة فالبهجة التي كنا نتوشح بها لم تعد كذلك فمنبعها قد رحل من عالمنا وتركنا نجتر الذكريات المحفورة بأعماقنا والمختلطة بدمائنا وأنفاسنا..
لم يعد نوفمبر الشهر الذي ننتظره ونترقب حضوره لنستمع لخارطة الطريق نحو المستقبل فاقترابه يثير فينا الشجن ويبعث فينا الحنين الممزوج بالشوق والحزن، عايشنا الأعوام تباعاً عاماً بعد عام نرى فيها عمان وهي تنحت على يد نحات ماهر محب شُغِفَ بحبها وحب شعبها فقطع على نفسه وعداً لهم بأن يجعلهم يعيشون سُعداء على أرضهم الطيبة المعطاءة بأسرع ما يمكن ثم أوفى بعهده ومضى..
كل عام يحفر بإزميل النهضة الحاذق وبعناية القائد الملهم ليرفع عنها طبقات العزلة والانكفاء المتراكمة ويزيل منها تشوهات التعدي الغاشم ويعيد لها بريقها ورونقها وماضيها التليد العاطر لتستعيد ألقها ومجدها الغابر الزاهر صانعاً منها في خمسين عاماً جوهرة ثمينة تتلألأ بين الأمم.
عمان اليوم وقد أوفى سيدها الراحل بما وعد أدركت بأن ذلك الحب الدفين في قلوب شعبه الأصيل قد تزامن مع نحته لعمان فأصبح منقوشاً فيها مرتوياً من الوريد والشريان لن يمحيه تعاقب الليالي والأيام على مدى الزمان.
رحل النقي الوفي الشهم وبقي الحب والعرفان والشكر، أوصى بمن توسّم فيه من الصفات والقدرات ما يؤهله لحمل الأمانة ومواصلة المسيرة فجدد له الشعب العهد والولاء ليستمر العطاء والنماء والسير على النهج الذي اختطه الراحل طيب الله ثراه.
لتستمر عمان في توهجها ومضيها بخطى راسخة ثابتة رغم التحديات والصعاب وعلو الأمواج وتكاثر المتربصين من القراصنة فالربان ماهر والبحارة أوفياء مخلصون أصحاب حنكة وإخلاص وعزم شديد لا يلين متسلحين بإرث حضاري ضارب بجذوره في عمق التاريخ لن يفت من عضدهم عاديات الزمان ولا كيد حاسد أو حاقد ولا عدوان ماضين بإذن الله بأمن وأمان.
لم يعد الثامن من عشر من نوفمبر كما كان ففارسه ترجّل من على صهوة الحصان إلا أن منهاج الخمسون عام التي شهدت صياغة بعث وإحياء عظمة عمان بالعمل الشاق والجاد وبالتوجيه والإرشاد عبر الخطابات السامية التي تروي ظمأ كل عطشان وترسم للسالكين الدرب نحو بر الأمان وتُعزَّز فيها مكانة وكرامة الإنسان باقية بإذن الله ما بقي الزمان.
سيبقى نوفمبر خالداً بفضل توجيهات السلطان هيثم حفظه الله ورعاه ويسّر على طريق المجد والسؤدد خطاه وَفَاءَا وعرفاناً وَامْتِنَانًا لباعث نهضة عمان ودافعاً ومحركاً لتجددها وازدهارها ورمزاً لعهدها الجديد ومستقبلها المزدهر السعيد.