الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
حدثني أخٌ عزيز ذو ثقة، بأنه التقى ذات مرة بمستثمر صيني، جاء هذا الأخير لدراسة إمكانية الاستثمار في السلطنة، فحكى لصاحبي، بأنّ عمان بيئة زاخرة ووافرة بمصادر وأدوات الاستثمار، واصفاً إياها بأنها عبارة عن جبال من ذهب، في ظل وجود الأمن والاستقرار، العامل الرئيسي، الذي يوفر مناخ جذب لرؤوس الأموال، لكنه – أي المستثمر – انصدم – بأمرين اثنين :
الأول : بطء وتعقيدات الإجراءات الحكومية أمام المستثمرين الأجانب .
والثاني : محاولة بعض النافذين في اتخاذ القرار، اقناعهم بالدخول معهم في شراكات مقابل تخليص التصاريح اللازمة لذلك، وتسهيل بعض الإجراءات، مما يدفع هؤلاء المستثمرين للبحث في دول أخرى، التي سرعان ما تتلقفهم تلك الدول، من خلال التسهيلات الممنوحة، والإجراءات المبسطة .
قلت لصاحبي : لا أظن أنّ كلام الصيني صحيحاً، وخاصة فيما يتعلق بالسبب الثاني، إذ يُفترض بأنّ من سماهم النافذين مؤتمنون على مصالح البلاد، وقد أقسموا على ذلك عند توليهم مناصبهم، لكنه – صاحبي – نقل ما سمعه، وناقل الكفر ليس بكافر.
ومهما كان فحوى الكلام، وصدقه من عدمه، من قبل الصيني، وإن كنت لا أستبعده، ولكن يكفيني عبارة قالها وصدق فيها، وهي التي أبني عليها مقالي هذا وهي “عمان جبال من ذهب ” نعم هي كذلك، وما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :” من ضاق عليه الرزق فعليه بعمان” إلا دليل صادق على ذلك .
يُقصد بجبال الذهب في عمان، الموارد والمصادر التي تدرّ ذهباً، لو تمّ استغلالها كما يجب بأسلوب حكيم ومتطور، ولعل من تلك الموارد والمصادر :
* موقع عمان الاستراتيجي المطلّ على ثلاثة بحار، الخليج العربي، وبحر عمان، وبحر العرب المتصل بالمحيط الهندي، فيما يصل طول السواحل العمانية مايزيد على ثلاثة آلاف كيلو متر ، وثروة بحرية هائلة جداً، بحاجة إلى استغلال بأسلوب اقتصادي منظم ترعاه الدولة، باستخدام أحدث التكنولوجيا المتطورة في هذا المجال، والاستفادة من مقومات الموقع من خلال المنطقة الاقتصادية بالدقم وميناء صحار وميناء صلالة وباقي الموانيءالأخرى، ليس فقط للاستيراد والتصدير من وإلى السلطنة، بل لجعلها موانيء ربط بالموانيء العالمية، كما تفعل الدول الساحلية المتقدمة، وهذا يقودنا إلى مجال الثروة البحرية، فلدينا والحمد لله ثروة سمكية هائلة، والأسماك العمانية معروفة بأنها من أجود الأسماك في العالم، نستطيع استغلالها بشكل علمي، يدرّ مدخولاَ كبيراً، هذا إلى جانب التنقيب عن النفط في المياه العمانية المشروعة دولياً، وأستحضر هنا حديثاً لصاحب السمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد الموقر، في تصريح له حينما قال : يكفينا ألف كيلو من السواحل العمانية، لو تم استغلالها بصورة مثلى .
* وثاني هذه الموارد، هي الثروة الحيوانية المتنوعة والمتواجدة في كل أنحاء السلطنة، لو تمت العناية بها والاستفادة من وسائل العصر في تكاثرها وتنميتها، ليس فقط للاكتفاء الذاتي منها؛ وإنما لتصدير لحومها وجودها ومشتقات منتجاتها التي تدخل في صناعات غذائية عديدة .
* وثالث هذه الموارد، هي الثروة الزراعية، وتأتي النخلة على رأس القائمة، التي تجود بعطائها رطباً جنيا وتمراً من أجود أنواع التمور من خلال زيادة مساحة الأراضي الزراعية والسماح للمواطنين بالتوسع في الزراعة سواءَ عن طريق التملك أو الانتفاع والتسهيل لهم بحفر الأبار دون تعطيل، ودون إلزامهم بأعماق محددة للحفر، والتي قد لا تتوفر فيها المياه ، في الوقت الذي تسمح فيها الدول المجاورة بالحفر إلى قاع الأرض وخاصة على المناطق الحدودية، وربما تسبّب ذلك في نزف مياهنا الجوفية، وعدم استفادتنا منها، مع الحرص على وجود مصانع عالية الجودة في تعبئة التمور، وتصنيع منتجاتها، بشكل يغطي السوق المحلي، ويتم تصدير الفائض للخارج.
* أما جبال السلطنة، وهي مورد نفيس يضاف إلى قائمة موارد الدخل القومي، فبها العديد من المعادن كالنحاس والكروم والحديد والرخام وغير ذلك ممّا لم يكتشف بعد، والذي تمّ اكتشافه لم يتم استغلاله بالشكل التجاري، ويجب إنشاء شركات وطنية غير عائلية على مستوى المحافظات، لأنها مشاريع واعدة ستسهم في تنمية وتشغيل أبناء تلك المحافظات ومجتمعاتها بشكل خاص، والسلطنة بشكل عام.
* ولدينا من جبال الذهب الأخرى، المناطق الأثرية التي من المفترض مناطق جذب للسياحة المحلية والخارجية في حال إعطائها العناية اللازمة من الترويج والتسويق والاستثمار والاستغلال الأمثل، فالأوروبيون لديهم شغف كبير في زيارة مثل هذه الأماكن، خاصة إذا وجدوا فيها عوامل الجذب السياحي، والخدمات الضرورية .
* ولدينا أيضآ التنوع المناخي، كما في الجبل الأخضر، وجبل شمس وخريف صلالة، والواحات الوارفة، والصحاري الرملية، والأودية ، وغيرها، هذه الأماكن لم تحظَ بالاهتمام الكافي لتكون مزاراً، بدليل عدم وجود وسائل الخدمات التي يتطلبها السائح، فالخضرة والجو الجميل لا يكفي لتكون خياراً أولياَ للسائح العربي والأجنبي.
نعم عمان جبال من ذهب، تلك حقيقة أزلية، لكنها غير مستغلة بصورة اقتصادية وعلمية ترفع من مستوى الدخل الوطني، والتي تجعلنا قد حققنا هدف تنويع مصادر الدخل الذي رفعنا شعاره منذ الثمانينيات، ولازال صدى ذلك الشعار لم يغادر مكانه.
وهنا أستعير عبارة، على شكل تساؤل، فيه مزيج من العمق والاستغراب، طرحه الكاتب الدكتور عبدالله باحجاج، حين قال : هل لدينا أزمة أشخاص أم أزمة عقول؟ وبالتأكيد فإن الدكتور باحجاج لم يكن يعني بالأشخاص الهياكل والجثامين، بل أجزم أنه كان يقصد بها الضمائر الحيّة، وأرجو بالتأكيد من كل قلبي، ألا تكون لدينا أزمة في أيّ منهما.