الصحوة – خولة الجابرية
حين خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان جعل معاشه ما بين حلو الحياة ومرها و عذبها وعذابها ففي كل مرحلة من مراحل عمره وكل محطة من محطات أيامه تتغير المشاعر وتتبدل .
حين يفرح الكائن البشري يكون عالمه مزدحم بألوان السرور وكأنه لوحة رسمتها قطرات المطر في جو السماء، يود أن يحلق عاليا مع أسراب الطيور؛ منشدا مشاعره بين رفرفة أجنحتها، لا يمكن وصفها بحد ذاتها فهي مشاعر متمازجة تمازج بهجة الأرض وقد مرت عليها قافلة الغيوم لتمطرها غيثا من السعادة
ولكن !
حين يمر الانسان بمر الأقدار هنا تتبدل مشاعره وكأنها لم تذق يوما طعم الفرح ولم تعرف لذة السرور،
فكم من دموع تساقطت لتشوه جمال الأعين؛ وكم من ضحكة سجنت بين قضبان الحزن؛
وكم من أنين سرى بين حنايا الوجود لم يسمعه البشر ، وكم من آهات انطلقت من صدر محزون فشقت هزيم الليل وأيقظت وسنان الظلام لم يشعر بها أحد من الناس.
مشاعر جعلت ملامح الشباب شاحبة كأن أعمارهم سابقت الأعوام.
وكم من شيب نبت صاعدا ليزاحم اسوداد الشعر ؟
وكم من شخص لايزال حبيس نفسه بين ركام الآلام فأطفأ بريق الفرح وأشعل قنديل الأحزان
ذلك الحزن الذي كبر في تلك النفوس فانتزع جمال الروح و طهرها
تلك اللحظات تكاد تسقطهم أرضا ، تهوي بهم من شاهق الجبال، تلوح بهم في طوفان اليأس الجارف.
مهما كانت تلك المواقف والمصائب والشرور غالبة صعبة قاسية فلا ينبغي أن تسمح لمشاعر الحزن فيها أن تتغذى على مشاعر الفرح أو تنسيك لحظات البهجة والأنس .
حين رأيت إحداهن ظننتُ بأن المشاعر كالصحراء القاحلة صحراء يسقيها لهيب الشمس حرها ونارها،
لا تزورها الغيوم ولا تعرفها السحب و تعجز عن سماع الصوت الهادئ فهي تصارع ضجيج المشاعر .
ذلك الصوت الصاخب يتررد و ينغمس بعمق
كلما حاول ذلك الكائن أن يترك أثر في تلك الرمال
ليعرف طريق العودة ولكن سرعان ما تمحوها الرياح الجافة.
عليك أن تخرج من تلك المواقف شخصًا قويًا شخصًا متماسك المشاعر، شخصا قادرا على لملمة شتات مشاعره .
عليك أن تصبر حين تمر بك المواقف الموجعة ، عليك أن تصبر حتى تنال الأجر ، لا تمنح تلك المواقف أكبر من حجمها حتى لا تتضخم .
وكثير منهم يصيبه وباء سوء الظن ، حين يقف عاجزا أمام تلك المجريات التي تحدث و يقارن نفسه بغيره من البشر ، حين يختار الله إنسانا من ملاين البشر فإنه يختبر صبره لينقيه من ذنوب قد تراكمت
مشاعر الكائن البشري تشبه علبة الألوان بعضها تنتمي إلى الألوان الخشبية،وبعضها إلى الألوان المائية، وبعضها سميت بالألوان الزيتية، تخرج الالوان الخشبية وهي جافة؛ بينما المائية و الزيتية تحتاج إلى مزجها بالماء، تلك الألوان المتفاوتة في بريقها بعضها تنتمي للألوان الباردة والأخرى للألوان الساخنة،هناك ألوان أساسية و ألوان ثانوية باهته والوان مزجت بألوان عديدة حتى ظهرت بهذا المنظر كذلك هي الحياة تأتي ممزوجة بالعديد من الأشياء المختلفة والمواقف المتباينة، وعلى الشخص أن يتناغم معها ويشكل قوس الألوان حتى لا تكسره الظروف
ولكن من الجدير بالذكر للعبرة ،،،
أن جميع البشر يمرون بالمراحل نفسها وإن اختلفت أوقاتها وتباينت مواقفها، سواء كانت مراحل سعيدة أو حزينة، وكم من طاقات سلبية كانت دافعا أساسيا في تطور و تنمية الذات فكانت حافزاً
لصنع شيء جميل.
البعض تجعله الأحزان صلبًا كالألماس بريقه يكاد أن يخطف الضوء
و البعض تبدو كلماته كسائل عذب المذاق.
بغض النظر عن كل ما ذكر ،،،
قد نمر بنفس الألم و قد نمر بنفس المراحل
ولكن!
نحن من يصنع عالمنا ونحن من نجعل من أنفسنا مميزين، قد تشكلنا الظروف حسب قدرتها ولكن نحن من نسطيع إذابة قطع الثلج ونحن من نستطيع تحويل البرودة إلى دفء، نحن من نملك خاصية التكثف و خاصية التسامي حينما يتعلق الأمر بنا