الصحوة – أسماء بنت جمعة الغبر المخينية
قبل ان اشرع في كتابة مقالتي ألمس عيناي ترسمان لي برواز زاهياً باهيا مكتوب على كل زواياه عبارة رائعة تعني بتلك الوجوه السمحة التي تتراءى أمام ناظري بكل شوق فالزاوية اليمنى من الأعلى كُتب عليها ( سيدات مخا الكبرى ) والزاوية المقابلة لها كتب عليها ( روائح الجنة ) أما الزاوية السفلى التي ملأت المكان ضياء فقد كتب عليها ( جياد الحارة ) والتي تقابلها لا تقل عنها مسمى في المعنى ( أصائل مخا ) أحبهن حبا جمّا وما زال هذا الحب يتربع عرش عشقي لمخا وأهلها وإني إذ أجدُ في مداد قلمي صهيل يأمرني بأن أتقن الكتابة والتعبير في حضرة سموهن .
ما أروع تلك اللحظات الجميلة والسويعات الراكضة التي جمعت أمي بأمهاتي في الحارة تحت ظل الرايح العتيق والزيارات السامرية الآتي يتسامرن الليل بأجمل الألحان واصوات عذبة هادئة ولا يخلو يومهن من مواعيد قلبية للاطمئنان على بعضهن البعض .
بداية رحم الله من رحل منهن وبات في ذمة الله سائلة الرحمن الرحيم أن ينزل في قبورهن الضياء والنور والفسحة والسرور وأن يسقيهن من نهر الكوثر كما سقنّ قلوبنا رأفة ورحمة ، وأمد كف الرجاء والدعاء بأن يمد على بقى منهن بالعافية والمعافاة ويسكب على أجسادهن الشفاء والصحة وهو بهن أرحم الراحمين .
أولاً سأعرج من قبة الحارة وأخط بقلم الاحترام لأمي ثنية بنت هلال الولّادة الحنون التي توفقت بتيسير من الله في توليد الكثر من حبلى الحارة والحارات المجاورة والتي كان الفضل في تسهيل ولادات متعسرة حتى لإناث الحيوان من الماعز وإني لأتذكر ذاك اليوم الذي أبدعت فيه المرحومة بتوليد ماعز قد تعسرت ولادتها حين قامت بعمل المستحيل وبشتى الطرق الميسرة معها لنجاة الماعز ومولودها كما أن لها الفضل في علاج كثيرا من المرضى الذين يلجأن إليها في علههم الصحية وتلك نعمة قد مناها الله عليها رحمة الله هذه المرأة كانت تأتي مع أمي ويتبادلن أروع الحديث عن حياتهن وأيامهن السعيدة وقهقهة اللقاء لا تخلو بين سطور حديثهن .
إني أطرق باب الذكريات لأمي خليفة بنت علي المرأة القابعة في منزلها وهدوئها الخلاب وسكون حديثها الذي لا يسمعه إلا من هو قريبا منها أما جارتها وهي أمي فاطمة بنت راشد التي لا يخفي في قلبها حديث ولا يتوانى في لسانها رد فاكهة الحارة المشكلة بأغلب أصناف الفكاهة والجرأة صريحة في كل شيء ولا تأبه لأي احد ذات مزاح جدي وتلوح بسهام الكلمات المقصودة الصادقة وهذه صفة تقاسمها إياه والدتي الخناجر وهنّ في ذلك متفاهمات لأبعد حد . ثم يأخذني المطاف إلى من كانت المتوفاة الأولى بين جاراتها امي سليمة بنت سالم والتي اخذ المرض منها شبابها وزهوة عمرها فرحلت في عجل مخلدة ذكرى بيتها الكريم وساسة المتين ، أما زوجة عمي رحمة الله عليهم جميعا فكانت الجارة العطوف والابتسامة الهادئة التي تخاطب بها جيرانها والتي ادعو أن تكون بسببها من الوجوه الضاحكة المستبشرة ، أما أمي جميعة بنت ناصر سميّة والدتي فكانت من الاتجاه المقابل الذي يفصله الشارع وهذه المرأة كانت من الهادئات ورحلت في سكون يوم وعناء مرض لكنها أنجبت إمراه حنون طيبة أم سالم تلك الضحكة والملتقى الطيب حين تلاقي الناس بطيبها وتدلع أسماءهم بروحانية حلوة بارك الله فيها .
وأمي سعادة بنت محمد أم محمد وكيف يتقلب قلمي في جيوب الذاكرة ليرسم لي ذاك الحسن الذي كانت تتمتع به وكما يقال في المثل ( تشوف الماء في يرعوبتها )،بمعنى ترى جريان الماء في البلعوم من بياض صاحبه ) رحمة الله عليها وعلى عبيدا إبنها فهم أهل المجورة التي وإن رحل أصحابها فلن يُعيد الزمن أمثالهم ، ولله در تلك الأيام التي جمعت بين القلوب الصافية وقدر الله لنا أن نعيش لنرى رحابة هذه الصدور وتواضعها وقوة المحبة في تعارفهم .