الصحوة – د. حمد بن ناصر السناوي
في الأسابيع الماضية تناقلت المواقع الإخبارية فيديو لنشطاء نباتيين في العاصمة البريطانية لندن يقومون بسكب كميات كبيرة من الحليب في أحد المحالّ التجارية احتجاجاً على حقوق الحيوانات. هؤلاء النشطاء يطلقون على أنفسهم اسم “عصيان الحيوانات” يدعون لوقف استخدام منتجات الألبان لأن في ذلك اعتداء على حقوق الأبقار. منظر الشباب وهم يهدرون الحليب كان مستفزا بالنسبة لي فذلك كفر بالنعمة فبينما ينساب الحليب على بلاط المحالّ التجارية يموت الآلاف جوعا في مختلف دول العالم، ثم متى اعترضت الأبقار على أخذ الحليب منها؟، وماذا عن حقوق صاحب المحل الذي اشترى هذا الحليب من المزارعين؟، من سيقوم بتعويضه؟، هل حرية النباتيين في سكب الحليب لا تعتبر اعتداء على بقية البشر الذي يريدون شرب ذلك الحليب؟، وهل ستظهر لاحقا جماعات تطالب بحق النحل في الاحتفاظ بالعسل وحق الدجاج في الاحتفاظ بالبيض؟ أين ستتوقف أفكار هؤلاء المترفين؟.
لم يتوقف الأمر على إهدار الحليب ففي فيديو آخر نجد حوارا بين امرأة في منتصف العمر تعترض على وصف الدجاجة بالأنثى وتطالب بحق الدجاج بعدم الالتزام بجنس معين فحسب قولها من حق الدجاجة أن تختار أن تكون ذكرا أو أنثى، وغيرها من الخزعبلات التي يصدرها الغرب المترف الذي لم يتوقف عند الترويج لفكرة تغيير الجنس بل أصبح يطالب بحقه في عدم الالتزام بجنس معين ويرفض أن يشار إليه بمصطلح هو أو هي ويطالب باستبدال ذلك ب “هم” رغم أن ذلك يستخدم عند الإشارة إلى الجمع وليس المفرد، كذلك عندما تتحدث إليه فلا يجب أن تقول أنتَ أو أنتِ ولكن قل “أنتم”، حتى أن البعض يطالب بحق الطفل في عدم إلزامه بجنس معين في شهادة الميلاد فلا يشار إليه ب ذكر أو أنثى، ويتجنب الوالدان استخدام ألفاظ تشعره بأنه ولد أو بنت لكي لا يقوموا بالتأثير على خياراته فمثلا عندما تنادى على الطفل الذي يحمل أعضاء ذكورية لا تقل “تعال لتناول الطعام بل” تعالوا لتناول الطعام “وإذا ما أردت الأثناء عليه قل” أنتم أطفال أذكياء ولا تقل أنت طفل ذكي “لاحظ أنك تتحدث إلى فرد هنا وليس إلى جماعة، ولست أدري أين ستنتهي هذه المهاترات بعد ظاهرة المطالبة بعدم الالتزام بجنس معين بدأ البعض بتبني حق الفرد في اعتبار الفرد أنه ينتمي لعرق مغاير، هذا رجل أبيض يعتبر نفسه أسودا والعكس كذلك، وتلك سيدة من أصول أوروبية تطالب الاعتراف بانتمائها إلى العرق الصيني مثلا، ومن المضحك أن مثلا هؤلاء كان سيتم تشخيصهم سابقا ببعض الأمراض النفسية مثل التوحد أو التوهم أو الفصام، أو ربما باضطراب في الهوية، لكن عدم ظهور اضطرابات نفسية وسلوكية أخرى يجعل مثل هذا التشخيص صعبا، فالموضوع كما يبدو بالنسبة لهم حرية شخصية وتحرر من” مصطلحات وأفكار رجعية “كما يزعمون.
تذكرت قول الشاعر” إن الشباب والفراغ والجدة – بكسر الجيم- مفسدة للمرء أي مفسدة “هذا البيت الذي قاله الشاعر منذ آلاف السنين لا يزال ينطبق على الكثير من الأمور التي تحدث في العصر الحالي، فلعل الفراغ والترف المالي والفكري جعل البعض يطالب بمثل هذه الأفكار الغريبة والشاذة إن صح التعبير، ولعل الخطير في الموضوع أن صدى هذه الأفكار ينتقل سريعا بسبب انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإخبارية التقليدية التي تروج لمثل هذه الأفكار لتصبح ظواهر عالمية لا تنحصر عند الغرب المترف المثقل بحقوق البقر والدجاج، وحق الطفل بأن يكون مجهول الهوية الجنسية.
قد يقول البعض إن هؤلاء” شرذمة قليلين “يرغبون في إثارة الرأي العام وجلب الانتباه، لكني أرى أن الموضوع أعمق من ذلك بل يشمل تطبيعا تدريجيا مع أفكار ومعتقدات غريبة تكون نتيجتها الفساد في الأرض، ولا ننسى أن موضوع تحويل الجنس والاعتراف بزواج المثليين بدأ بهذه الطريقة ثم أصبح من الحقوق الأساسية للأفراد في بعض الدول، خذ على سبيل المثال تصدر تايوان الأخبار في الأشهر الماضية واعتبارها من قبل الغرب دوله ديموقراطية لأنها تعترف بزواج المثليين حتى أن إذاعة ال بي بي سي قامت باستضافة أحد الشباب الذي هرب من النظام الصيني الغاشم” والشرير “لأنه لا يعترف بزواج المثليين فكان ملاذه الهجرة إلى جزيرة تايوان” الديموقراطية “.
لعل الدروس المستفادة من كل هذا هو الانتباه من أن تغزو مثل تلك الأفكار مجتمعاتنا فنجد من يطالب بحق الأغنام في الحياة واعتبار الأضاحي مجزرة، والشكشوكة قتل لأطفال الدجاج.