الصحوة – د. سالم بن سلمان الشكيلي
شوقي إليكِ يزيدُ ،،،، عبري ، فهل لي مزيدُ
إِنْ غِبْتُ يوماً كأني ،،،، أعيش دهراً ، وحيدُ
صِرْتُ أشتاق إليكِ – يا عبري – كثيراً ، لست أدري هل هو حبّ جديد ، أم هي حالة مراهقة بدأَت تتسلّل إلى وجدان رجل عجوز ، أخذ يفتقد الكثير من حاجاته الجميلة ، لا يجدها إلا فيك تعويضًا .
إني أعترف اعترافاً مبهجاً ؛ فكل شئ يشدني إليك ، حتى أدقّ التفاصيل ، لها لون مميّز ، وطعمٌ حلوُ المذاق ، ورائحةٌ لها عبقٌ نادرٌ ، طفولتي بكل براءتها وشقاوتها ، جلاّب ضاحيتنا الذي كان يتّشح بالخضرة ، وصوت حفيف الأشجار التي يحركها الهواء العليل ، حتى في ذلك الصيف الحار ، إلى منامات السطوح ، ورؤية السماء بنجومها الزاهرة وقمرها المنير ، وأصوات الجيران التي تسري في الفضاء مع كل نسمة هواء تنساب في ليلنا الرائع ، اشتقت لبيت الحارة والبيوت المتلاصقة ببعضها كما تتلاصق قلوب أصحابها الطاهرة ، وإلى لقاء الجيران كل صباح ، وبُعيد صلاة الظهر وإلى الرمسة بعد صلاة المغرب ، اشتقت إلى سوقك الذي يفيضُ نشاطًا بحركة الناس من كل مكان ، وبالجِمال الرابضة في المراح على مقربة من حصنك العتيد ، اشتقت إلى هبطة العيدين وتلك الحركة غير العادية ، إِذْ يمتليء سوقك القديم ويعجّ بالناس الآتية رجالًا وركباناً من كل حدب وصوب ، حيث مصالحهم المتبادلة والمتوافرة فيه .
اشتقتُ إلى ذكريات مدرسة الإصلاح ، ومدرسة سيف بن سلطان اليعربي ، وإلى زملاء الدراسة ، وفرقة الكشافة ورحلاتها المميزة والمبيت في الصحراء ، ونظام المناوبة الليلية والتعود على التحمل والصبر في مختلف الظروف ، لازالت ذاكرتي تختزن كل شيء ، حتى ذلك التآلف الفريد بين أعضاء الهيئات التعليمية والأهالي ، في مشهد يكاد يكون معدوماً ، ولا نراه اليوم بنفس الصورة الماضية .
اشتقتُ وبكل صدق ، إلى صفاء ونقاء القلوب وطُهرها ، وإلى الألفة والمحبة والتعاضد والتراحم والتوادّ ، وإلى الفزعة عندما يلم بأحد الجيران أو الأقرباء حادث أو مصيبة لا قدر الله، لدرجة أنّ الغريب لا يعرف من هو صاحب المصيبة الفعلي ، كانت الجنازة مهيبة لا تسمع فيها إلا ذكر الله ، أما مجلس العزاء ففيه من الوقار ما لا يوصف ، قراءة القرآن أو الهدوء في خشوع تام ، لم ينشغل الحاضرون بأمور الدنيا ، ولم يهتم أهل العزاء بحصْور من أتى للعزاء ومن لم يأتِ . الناس عفويّون بطبعهم .
اشتقتُ بكل تأكيد إلى أفلاجك التي تشقّ السّواقي لتروي الأشجار ، وأخصّ هنا فلجي المبعوث والمفجور ، ولا تسألني عن المفجور ، فبسببنا نحن أهالي ولاية عبري ، صار أيناً بعد عين ، ونُسأل عن إهماله حتى مات أثره ، فماتت بعده البلاد وتحوّلت بساتين اشجار النخيل والأمبا والليمون والسفرجل والزيتون إلى أرض يابسة صحراء ، يبكي مَن علِمها وخبِرها سلفاً ويراها اليوم ، لكنّ الغريب والملفت عند حدوث المشكلة لم تلقَ الاهتمام الكافي .
ورغم أنّ كل شئ قد تغيّر فيك يا عبري ، فلا زلت أحن وأشتاق إليك كثيراً ، وبرغم أني ومنذ عام ١٩٧٨م تنقلت في العمل بين عدة ولايات حتى استقر بي المقام في مسقط ، كنتِ في القلب ، فلم يهجرك ولم تهجريه ، وقد كنت أقطع مئات الكيلومترات كي أجعل حبل الود موصولاً بيني وبينك ، ربما أكون قد قصرت في بعض الفترات ، لكن هناك من يشهد لي بأنك وشبابك ، كنتم محل اهتمامي وقد سخرت وقتي وجهدي في خدمتك .
وسأكون صادقاً مع الله أولاً ، ومع نفسي ومع من يتكرّم بقراءة هذا المقال ، كثر الحنين إليك ياعبري ، فيك أحسّ براحة وطمأنينة وهدوء نفس ، سر عجيب يجذبني كأنه المغناطيس لا اعرف سببه ، لذلك قررت العودة والإقامة الدائمة بطوع إرادتي واختياري الحر ، سأنخرط في خدمة مجتمعي كمواطن عادي ، يؤمن بواجباته نحو أهله وناسه رغم اعتلال صحتي ، ولكني لا أقبل على نفسي أن أكون متفرجاً ، سأقف وراء كل جهد يصب في مصلحة الولاية بوقتي وجهدي البسيط وسيكون بيتي المتواضع ملتقى لكل العاملين من أجل عبري ، لا أريد زعامة ولا رئاسة ولا شهرة ، ومستعد للعمل تحت أي وضع وفي أي مكان ، فهل ستغفرين لي يامحبوبتي تقصيري في حقك !!! ؟.