الصحوة – الدكتورة أمل البلوشية
الكثير من الأباء يتذمر من طفله الذي يتجاهله دائما ..يصفه بطفل عنيد لا يسمع الكلام ..ملتصق بالتلفاز ويعلي صوته ..غير مكترث بما حوله.. أو يعتبر تلعثمه في الكلام نوع من الدلع وإنه مازال طفلًا.. وقد يصفه بالغير نظيف؛ لأن انفه دائم الزكام والإفرازات المخاطية..وطفلي يشخر ..طفلي لا يشارك في الصف الدراسي ومستواه التحصيلي متدني ..كل هذه الإتهامات لطفل لا يعي شيئًا وخارج عن إرادته ويحتاج إلى مد يد المساعدة من والديه أقرب الناس إليه والمفترض ملاحظة كل هذه التغيرات عليه وعرضه لأقرب طبيب .. لا تنتظر فقط إذا كان شخيره يؤدي إلى توقف التنفس أو وجود إفرازات من الأذن أو عند اكتشاف فقدان السمع صدفة قبيل دخوله للمدرسة..بل منذ اللحظة التي تلاحظ فيها أي من الأعراض السابق ذكرها.
إذ الكثير من الأطفال حاملي هذه الصفات يعانون من الصمم التوصيلي الناتج عن مشاكل في الأذن الوسطى سواء بالإلتهابات المتكررة بها أم بسبب مشاكل في قناة استاكيوس الموصلة مابين الأذن الوسطى ومنطقة خلف الأنف؛ بسبب وجود عيب خلقي أو وجود اللحمية ( تضخم بالغدة الموجودة أعلى الحلق وخلف الأنف) بسبب الإلتهابات المتكررة أو الحساسية ..
سأسلط الضوء على ماهية التهابات الأذن الوسطى المزمنة المصاحبة لوجود سوائل خلف الطبلة وتؤدي إلى الصمم التوصيلي عند الأطفال وأثره على المعرفة والإدراك وكيف يمكننا الانتباه على بوادره منذ البداية ومراجعة الطبيب المختص لكشف مسبباته و مباشرة العلاج المنشود .
حوالي ٨٠٪ من الأطفال حتى عمر العاشرة يكون على الأقل قد تعرضوا الى ١-٢ من إلتهابات الأذن الوسطى باختلاف مسبباتها و التي تتحول إلى إلتهابات الأذن المزمنة خصوصا إذا لم تعالج أو إذا كان سببها وجود اللحمية الأنفية التي لم تعالج دوائيًا أو جراحيًا أو وجود حساسية الأنف التي لم تعالج أو يتحكم بها وكل ذلك يؤدي بطريقة مباشرة وغير مباشرة لوجود سائل كثيف شبيه بالصمغ لمدة طويلة خلف الطبلة قابعًا في الأذن الوسطى التي تلعب دور هام في توصيل الصوت للأذن الداخلية ومنها لفهم المسموع بعد تفسير الدماغ للصوت المتلقي الأمر الذي يحيل دون سمع ما يدور حول الطفل وإن لم تصاحبه أي أعراض حادة كالالم والحمى والإفرازات والتي تغيب الانتباه للمشكلة الاساسية ..
وما يهم هنا هو الأثار السلبية لهذه المشكلة وهي أن الطفل خاصة في عمر ١-٣ سنوات يعتبر في أهم فتره تعليمية خاصة للمكسب اللغوي والإدراكي في حياته يفقد الوسيلة الاساسية للتواصل مع العالم المحيط به وتوسيع مداركه المعرفية والفكرية واللغوية .
فالطفل الذي تمتلئ أذنه الوسطى بالسوائل يفقد معرفة نطق الحروف؛ لأنه ببساطة لم يكتسبها ولم يسمعها وصعوبة فهم المسموع والإدراك ومع مرور الوقت يبدأ في ضعف المحصل التعليمي والعزلة والتي قد تجعله على عتبات بسيطة من التوحد والإنعزال المجتمعي ..
هنا تبرز أهمية عرض الطفل على الطبيب ما إن تلاحظ عليه أي من الأعراض التي ذكرتها حيث يتم تقييم الحالة وتحديد المسببات و فحص مستوى السمع لدى الطفل والبدء في العلاج المناسب و غالبا ما يكون التدخل الجراحي كعمل فتحة في الطبلة ووضع أنبوب تهويه يفي بالغرض ويرجع طفلك لعالمه الطبيعي وهنا نأكد ضرورة الاهتمام والبحث عن الحلول بدل توجيه أصابع الاتهام والتذمر من التجاهل والعناد لطفل لا يسمعك ويحتاج مد يدك له للمساعدة والأخذ به نحو طريق الأمل لتغيير واقعه وإيجاد الحل مع الطبيب المختص لضمان احتواء طفلك وإيجاده في الوسط المفترض أن يكون فيه ويدرك سبر غوره ويسمع كل صوت يصل إلى أذنه ويردد الحروف والكلمات ويفهمها ليكون في مستوى أقرانه … إهتمامك وتقديرك للمشكلة وإيجاد حل لها هي واجب من واجباتك الأبوية وحق من حقوقه كإنسان وطفل و إبن لك …فأنت وسيلة الله لهم في الأرض؛ لتنير طريق الأمل وتثبت خطاهم فيه ليكونوا بناة المستقبل المتميزين.