حوار – كلثم الدرمكية
“لطالما اعتقدت منذ كنتُ طفلة أن أصحاب النظارة الطبية ذوي عقل نابغ، علاقتهم مع العلوم والمعادلات صَداقة، يصنعون من الصعب ممكنا، ثابتون من أجل أهدافهم مهما تعثرت بهم السبل .. “سالم الحبسي” المناضل من أجل مشروعه الابتكاري، خريج كلية العلوم بجامعة السلطان قابوس، ينتزع فريقه المركز الثاني في مسابقة، برنامج شباب من أجل التغيير، من بين ثلاثين فكرة مشارِكة قد تأهلت على مستوى الوطن العربي.. تحت سقف أحد الفصول الدراسية التقيتهُ للمرة الأولى؛ فأدركت منه أن بدايات النجاح مرتبطة ارتباطا وثيقا بالإيمان بالذات والعمل بكفاءة على حد سواء”.
من أين استلهمتم فكرة “القطرة الذكية”؟
من منطلق قول جلالة السلطان قابوس –حفظه الله ورعاه- في خطابه السامي عام 1991م حينما أشار إلى أن الماء ثروة وطنية ينبغي الحفاظ عليها، وبما أننا من الدول شحيحة المياه، المعتمدة على محطات التحلية بنسبة تقارب لـ98% فإنني أجد التكنولوجيا هي الحل للحد من هذه التحديات. كما تأثرت بفيديو يلامس وقعنا الحالي
في كوننا نأمن الوافدين بإعطائهم حرية التصرف بالمزروعات وريّها دون مراقبتهم حتى ، وعدم اهتمامنا نحن كجيل جديد بالموروث هذا رغم أن أجدادنا كانوا يهتمون بالمزارع اهتماما بليغا نتج عنه جودة عالية في المحاصيل ولا يستنقص ذلك منهم شيئا.
ما هو الهدف الأول من المشروع؟
أولا- القطرة الذكية عبارة عن نظام متكامل يعمل على ري النباتات تلقائيا بناءً على تغير معدل احتياج التربة للمياه ومن ثم يقوم بإرسال التقارير للفرد بغرض متابعة عملية الري عن بعد باستخدام تطبيق خاص على الهاتف النقال. فالتطبيق جاء لعدة أهداف منها: حساب استهلاكية المياه اليومية، وإرسال إشعارات تنبيهية في حالة حدوث أي تسرب، وتنبيهات تذكيرية بمواعيد ري النباتات وإعطاء المياه للحيوانات، وتنبيهات في حالة أن مستوى المياه في الخزان أقل من 20%، كما يتميز بميزة المؤقت حيث بإمكان الشخص حصر وقت لاندفاع المياه من وإلى الخزان بالإضافة إلى إمكانية الدفع الإلكتروني لفاتورة المياه. علما أن النظام صالح للاستخدام مدة خمس سنوات كحد أقصى بالتالي نستهلك المبالغ التي تدفع للعمالة الوافدة من جهة ومن جهة أخرى ندير المياه بكفاءة. ففقد عملنا على مبدأ أينما تكون يمكنك إدارة كل قطرة. والأمر هنا لا يقتصر على ترشيد استهلاك المياه فحسب بل يمتد ليشمل جوانب اقتصادية واجتماعية وإنسانية، حيث يعتبر هذا النظام أقل تكلفة من كافة الأنظمة العالمية.
الانطلاقة
من أين ابتدأت جذور الفكرة حتى وصلت إلى مرحلة التطبيق كمنتج مستقل صالح للتجربة الحية؟ (المراحل التي مر بها مشروع القطرة الذكية)
الفكرة تولدت منذ شهر مارس لعام 2016 الفائت، لكن الانطلاقة الحقيقية للمشروع كانت في شهر يوليو من عام 2016م الفائت عندما حصدت الفكرة على المركز الثاني كأفضل فكرة على مستوى الوطن العربي في برنامج شباب من أجل التغيير الذي تنظمه منظمة “Taking IT global” بالتعاون مع مكتبة الاسكندرية، وكوننا تأهلنا ضمن أفضل ثلاثين فكرة، فقد منحتنا المنظمة مبلغا بمقدار 2000دولارا من أجل مرحلة تنفيذ المشروع تحت متابعة دامت خمسة أشهر قمنا فيها بجمع الإحصائيات من وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه وبالتالي حصر المشاكل الدقيقة، كما تخللتها عدة ورش تدريبة في المجال الإلكتروني إلى جانبه، فإننا سافرنا لمصر أيضا بغية الاستفادة من الورش التدريبية في مجال ريادة الأعمال، وتأسيس الفريق والشركاء، وإعداد الفريق وكيفية إدارة المشاريع. ثم بدأنا بتنفيذ المشروع على أرض السلطنة في مدة شهرين إلى ثلاثة.
الفئة المستهدفة في المشروع؟
ركزنا على الأهم وهي فئة المنازل والمزارع، حيث أن أغلب المشاكل التي يواجهها أصحاب المنازل تنصب تحت الإدارة الخاطئة للمياه نظرا لعدة أسباب أهمها: وجود عمالة وافدة غير واعية أو بالأحرى لا تكترث بآليات استخدام المياه، ترك الأطفال لصنابير المياه مفتوحة وصعوبة إدارة المياه عن بعد لري المزروعات في حالة سفر أهل المنزل خارج البلد كون أن الإحصائيات قد أشارت إلى 96% من منازل السلطنة تحتوي على نباتات أو حيوانات، وبالنسبة للمزارع فإن المشاكل أكبر برزت في استخدام مؤقت واحد للري مما يؤثر على المحاصيل الزراعية، الاعتماد على الأيدي العاملة الوافدة وأخيرا استفادة النباتات من الري بنسبة نحو 40% أما النصيب الأسد (60%) فيكون لصالح المياه الجوفية مسببة مشاكل في التربة وغيرها.
المساندة الأكاديمية والتحديات
ماهي أبرز التحديات التي واجهتكم كفريق منفذ لمشروع القطرة الذكية؟
تحديات مالية، من ناحية التكلفة فكانت المبادرة ذاتية ولكن لا أنكر بصمة النادي العلمي العماني في دعمهم لنا ماديا و معنويا خلال فترة المعرض و توفير كافة التسهيلات داخل و خارج السلطنة مع الاهتمام المستمر بسير
المشروع بطريقة صحيحة وتعاونهم المباشر للرقي بمستوى الابتكار على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، أيضا كان للجمعية العمانية للمياه دور لا يخفى في مساندتنا للوصول بهذا المشروع لهذه المرحلة المتقدمة. والضغوط الدراسية، كما ذكرت سابقا، لم تكن الجامعة مراعية من ناحية التغيب كوننا فئة علمية تستحق كل هذا الإنجاز، إضافة إلى ذلك عدم وجود ممولين للمشروع حتى الآن رغم أني طرقت أبواب العديد وكانت الإجابات متشابهة جدا تحت حجة الأزمة الاقتصادية، ولكن مشروع القطرة الذكية مشروع مربح وله عائد مادي فالتكنولوجيا هي أحد الحلول القوية من أجل تنويع مصادر الدخل ورفع ميزانية الدولة، نحن موجودون من أجل الوطن ولكن جل ما ينقصنا هو الدعم وكل الأسف أن تظل المشاريع المبتكرة الحاصلة على شهادات دولية مرمية في ركن الإهمال.
مع التحديات التي ذكرتها سلفا، هل خطر ببالك لمرة أن تتخلى عن المشروع والاستسلام للعقبات؟
أؤمن بعبارة ” كل إنجاز عظيم في صبر عظيم” أي لا تنتظر الثمرة مالم تصبر عليها فالتحديات -وإن كانت صعبة أحيانا- بمرور الوقت ستضمحل بالإصرار والثبات. ونصيحتي لكل مبتكر مبتدئ أن يدعم فِكرهُ بالقراءة والاستطلاع والصبر، الصبر، الصبر..
الحصاد والإنجازات
بعد إنجازكم المذهل لفكرة “القطرة ذكية” بماذا خرجتم؟
بعد حصولنا على الإنجاز إقليمي في برنامج شباب من أجل التغيير، حصدنا أيضا إنجازا محليا متمثلا بجائزة الابتكار في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي يقدمها البنك الوطني العماني ، إضافة إلى ذلك فقد شاركنا – ممثلين للنادي العلمي العماني- في المعرض الدولي للأختراعات التاسع بالكويت من تاريخ (16/01/2017 حتى 19/01/2017م) والذي ينظمه النادي العلمي الكويتي، حيث يعد المعرض الدولي للاختراعات بالكويت الأول على مستوى الشرق الأوسط والثاني على مستوى العالم ويحضى بعناية سامية تحت رعاية أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد ، فقد ضم المعرض مشاركة أكثر من 30 دولة و 450 اختراع على مستوى العالم .
ويهدف المعرض الدولي للاختراعات بالكويت إلى المساهمة في نشر ثقافة الاختراع و الابتكار بين فئات المجتمع ، و العمل على زيادة المستوى العلمي والكفاءة العلمية لدى المنتسبين في التخصصات المختلفة ، تطوير مستوى ومهارات المخترعين وتعزيز التعاون بين المخترعين من مختلف دول العالم. وقدر عدد الزوارإلى أكثر من 42،000 زائر، مما يدل بشكل واضح على الاهتمام الدولي بهذا المعرض، حيث حقق فريقنا الميدالية البرونزية عن مشروع القطرة الذكية.
الرؤية المستقبلية
ماهي آمالك المستقبلية لبيئة الابتكار بشكل عام ولمشروعكم بوجه خاص؟
كنت أود لو أشارك بالمشروع في معرض جنيف الدولي للاختراعات –أكبر المعارض العالمية- للحصول على إنجاز دولي يضاف في رصيد الإنجازات ولكن الضغوط الدراسية تمنعني حاليا فلست مستعدا للمجازفة بفصل دراسي آخر. وأسسنا شركة تحت مسمى التكنولوجيا العالية ونحاول قدر الإمكان أن تكون القطرة الذكية أحد منتجاتها وينسب إليها كمنتج عماني لأن إدارة المياه ليست مشكلة خاصة بالسلطنة فقط، بل هي مشكلة عالمية ككل ونحن كفريق نبذل جهدنا لنرى القطرة الذكية واقعا فبحقيقة وجود المشروع يكتمل طعم الإنجاز. وأتمنى اعطاء الفئة العلمية اهتماما أسمى من الحاصل بدعمهم ماديا ومعنويا، لأنهم وجهة لا يمكن التفريط بها للرقي بالوطن.