الصحوة – ظافر بن عبدالله الحارثي
إن التجربة الديمقراطية في عُمان عُرفت بالديمقراطية الروحية ذات النفحة الأخلاقية المستمدة من الدين الإسلامي السمح والمعتدل الذي يرجع بداياته للعصور الأولى للإسلام، وكذلك المأخوذة من الإرث والعادات العُمانية القديمة، والتي بحسب المؤرخين والباحثين تعود إلى ثلاثة آلاف سنة على الأقل قبل الميلاد.
في بدايات الإسلام كان ابنا الملك الجلندى (جيفر وعبد) يحكمان عُمان، حيث في تلك الفترة أتى إليهم عمرو بن العاص حاملاً رسالة الرسول (عليه الصلاة والسلام) يدعوهم من خلالها إلى الإسلام، فقَبلا دعوته واعتنقا الدين الإسلامي طوعيا وآمنوا بالرسول مما جعل لعُمان مكانةً عند رسول الله (عليه الصلاة والسلام )ليبارك من خلالها عُمان وأهلها؛ وبموجب تعليمات الرسول صلى الله عليه وسلم، بقي عمرو بن العاص لينشر الاسلام في عُمان؛ ومنها ومنذ فجر الإسلام لعَبت عُمان دورا فعالا في نشر رسالة الإسلام والأخذ بها إلى اسيا وأفريقيا، وغيرها من شتى صور المساهمة.
لعُمان تجربة ديمقراطية عميقة وقديمة أخذت في الظهور منذ الإمامة الأولى (الجلندى بن مسعود) والتي تقوم على مبدأي الشورى والإنتخاب الحر للأئمة، علاوة على عنصريّ الإجماع والتعاقد، كما أنها مبنية على فكرة مؤسسات الإمامة ( المجالس)، وفكرة الدستور وقانون الزكاة ومسألة إلغاء الجيش في فترة السلام وتنظيمه في فترة الحروب، والجدير بالذكر أن لعُمان الريادة والأقدمية في موضوع الدساتير على مستوى العالم العربي والإسلامي والذي بدأ معالمه منذ النصف الثاني من القرن الهجري الأول، حيث مثلَ حينها هذا الدستور الإطار العام للإمامة ومؤسساتها بجانب دوره التنظيمي.
والمعروف أن بعد أحداث معركة صفين، ظهرت المذاهب والإختلافات والتي بسببها تكون لدينا اليوم موسوعة ومعرفة هائلة من التراث الإسلامي والذي نحرص دائما على تقديره وإحترام مجتهديه؛ ومن تلك الأحداث التي كان لأهل عُمان موقف خاص إنتهجوه بدأت دولة الإمامة في أخذ موقعها ورسم ملامح السياسة آنذاك، وبعد إنتهاء عصر بني نبهان، قامت الإمامة اليعربية (١٦٢٤-١٧٤١) والتي كان لها الفضل في إنهاء الاحتلال البرتغالي وتحرير منطقة شرق أفريقيا وتأسيس الدولة العُمانية -الإفريقية؛ والتي أيضا شهدت أثناءها مرحلة الغزو الثانية على عُمان من قِبل الفُرس (نادر شاه) والتي إنتهت وجودهم بعد خنق حيويتهم إقتصاديا ومن ثم القضاء على وجودهم نهائيا من قبل الإمام أحمد بن سعيد ليعلن بعد ذلك قيام نظاما جديداً بقيادة الدولة البوسعيدية، التي شهدت عددا من الاحداث سواءا على الصعيد الداخلي من حروب أهلية وإنقسامات ( على سبيل المثال كأحداث الجبل الأخضر) ، والتي استقرت لفترة عن طريق المعاهدات والإتفاقيات( على سبيل المثال معاهدة السيب ١٩٢٠م) وغيرها من الأحداث، أو على الصعيد الخارجي من علاقات مع بريطانيا وفرنسا اللذين كانت لهما تأثيرا كبيرا في توجيه المسار السياسي، وما تبعها من مشاركة شعبية لتقرير المسار السياسي، واستمرت تلك الأحداث المختلفة مع تولي الحكام السادة (البوسعيد) تلوا أخر، بدايةً من السيد سعيد بن سلطان الذي كان أول من يطلق عليه لقب “السلطان” إلى ١٩٧٠ تولي السلطان قابوس مقاليد الحكم والذي كان له دورًا مهما في صون واستقرار عُمان من الداخل وتوحيد أبنائها، وكذلك دورٌ فعال في حمل رسالة السلام والإسلام في الخارج.
فالسلطان قابوس -طيب الله ثراه- يحتل مكانة كبيرة في قلوب العُمانيون لما قدمه من جهود ورسمٍ لسياسة حديثة وقوية وترسيخ قيم المشاركة والديمقراطية بداية من جولاته السامية في مختلف المحافظات إلى تأسيس المجلس الإستشاري لدولة الذي تطور وتوسع ليعُرف اليوم بمجلس عُمان بشقيه (مجلس الدولة المعين ومجلس الشورى المنتخب)؛ والمتتبع في تاريخ عُمان السياسي يستنتج التجربة العميق والثرية ويستوعب إصرار إستكمال هذه المسيرة حتى عهدنا الجديد هذا بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه-، لندرك جميعنا حجم تضحيات العُمانيون وما يترتب عليها من من مسؤولية كبيرة تقع على عاتقنا جميعًا للحفاظ على هذا النهج، بل لتطويره والإرتقاء به لمستوى الطموح الذي يواكب متطلبات العصر وتحدياته، ولنحرص أن تكون “العبرة ليست بالمسميات بل بما يتحقق من عدالة وإنجاز”.